ذاكرة مكان

بشار.. بنتها الأساطير ونسجتها الحكايات  

حيثما تجولتَ في مدينة بشار، فإن الأسطورة ستظل رفيقك الدائم، منطقة قد لا تكفي سنة لزيارتها، ولكن تكفي لحظة واحدة لتمنحك الإحساسَ بأن سبعة عوالم كاملة تعيش داخلها.. ولكلّ عالم زمنه الخاص! تعتبر عاصمة للجنوب الغربي الجزائري هي عبارة عن سهل هائل يمتد على مساحة 5000 آلاف كيلومتر مربع وتحيط به جبال ثلاثة؛ هي عنتر وقرزاز وبشار.
تتكون من سبع مدن، بشار القديم، بشار الجديد، العبادلة، بني عباس، قرزاز، غار الذئبة وتابلبالة، بالإضافة إلى عشرات القصور التاريخية المنتشرة هنا وهناك، والتي تمنح المكان بُعدا أسطوريا يحيل إلى تاريخ غير مكتوب ضارب في العراقة.
تبدو العراقة ماثلة في الحفريات التي يمتد عمر بعضها لأكثر من 25 قرنا، ولكن الثقافة الشفوية المسيطرة في المنطقة حوّلت التاريخ إلى حكايات يصعب فيها فصل الحقيقة عن الخيال، أو يصعب بالأصح التصديق بأن كل ذلك الجمال حقيقي.
تمتاز بشار بالتنوع الكبير في مناظرها، إذ توفر لهواة الصحراء فضاءات لا نهائية لممارسة كافة رغباتهم من رحلات السفاري إلى صيد الطيور والغزلان، كما توفر لعشاق التزلج على الرمال كثبانا رملية يزيد متوسط ارتفاعها عن الـ1300 متر، مما يجعلها موقعا مثاليا للتزلج، كما توفر المدينة لمحبي السباحة النهرية العديد من الأنهار والبرك، أما لمن يبحث عن الغرائب، فإن قصة المدن السبع هي أفضل أسطورة يمكن أن يلمسها بيده في تلك الناحية.
كانت بشار طوال تاريخها منطقة خضراء وسط بحر من الرمل يفصل شمال القارة الأفريقية عن وسطها، مما ضمن لها ازدهارا دائما، كما أن احتماءها ببحر الرمل جعلها أفضل مستقر يؤوي إليه الهاربون من العسف السياسي والخائفون على أنفسهم وأفكارهم، ولعلّ التمازح بين الصنفين أكد حقيقة غريبة، هي أن تاريخ بشار قد صنعه الضيوف والغرباء.
فمن أبرز الشواهد على ما صنعه الغرباء تلك القصور المنتشرة حيثما توفر نبع ماء، فنظرا لاتساع المنطقة فقد جرت العادة أن يبني كل قادم جديد قصرا بالطوب المحلي، ويمارس داخله ما شاء من أفكار وتقاليد، يحدث هذا وسط تسامح كبير من سكان المنطقة الذين يتسمون بانفتاح غير عادي، وقد حدث هذا مع قصور «زاوية سيدي محمد» التي بناها المصلح الديني محمد بن موسى وعاش فيها مع أتباعه عيشة أقرب للغرابة، كما حدث مع قصر «غار الذئبة» الذي بناه أفراد قبيلة يُسمون بأبناء الحسين وجعلوه قريبا من مغارة تشتهر بنقوشها الحجرية التي تمثل غزلانا وذئابا.
 كما حدث هذا أيضا مع قصر الأضرحة السبعة، وهي عبارة عن سبعة أضرحة عملاقة لا يعرف أحد لها تاريخا، ولكن جيرانها يقولون إنها هبطت من السماء ذات يوم مع مطلع الفجر، ورغم أن عمرها يزيد على القرون الثلاثة فلا زالت لغزا ينتظر فكّ طلاسمه الغامضة، بل إن الجيران لا يعلمون حتى شخصيات من بداخلها!
 ونفس الشيء مع قصر «سيدي عثمان» الذي تقول أسطورته، إنه قدم من مصر مع نفر من أتباعه، وكان شيخا هرما، فلما أخذته سكرة الموت غرس عصاه في الأرض طالبا ألا تنزعَ حتى يفارق الحياة، وهكذا كان، فما إن صعدت روحه حتى انتزعت العصا وتفجر من أسفلها نبع ماء ما زال حاملا لاسم «سيدي عثمان» منذ أكثر من قرن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024